الصفحة الرئيسية > الإمام الرفاعي > نبذة عن الإمام الرفاعي بقلم الأستاذ صلاح عزام
نبذة عن الإمام الرفاعي بقلم الأستاذ صلاح عزام
الثلاثاء 7 حزيران (يونيو) 2011
من كتاب أقطاب التصوف الثلاثة للأستاذ صلاح عزام:
"ولد الامام أحمد الرفاعي...
وكان ذلك في أم عبيدة وهي جزيرة قرب واصل من محافظة البصرة بالعراق... وفي عام 512 هـ أيام عهد خلافة المستظهر بالله من العصر العباسي الثاني... وتمت في بيت خاله القطب الرباني الشيخ منصور البطائحي إذ توفي والده وهو حمل في بطن أمه.
وكان لمولد الرفاعي أكثر من فرحة في البيت الحزين فقد انتظرته الأم عزاء كبيرا على ما فاتها وأملا في تعويض العذاب الذي لقيته بعد وفاة الأب ... وشوقا منتظرا من الجميع للرؤيا التي سبقت هذا المولد وتحدث بها أصحابها من كبار الصالحين في ذلك الوقت.
ومن ذلك ما جاء في كتاب النجم الساعي لأبي بكر العدني أن (منصور البطائحي الرباني رضي الله عنه كان قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له يا منصور أبشرك أن الله تعالى يعطي أختك بعد أربعين يوما ولدا يكون إسمه أحمد الرفاعي. مثل ما أنا رأس الأنبياء كذلك هو رأس الأولياء وحين يكبر فاذهب به إلى الشيخ علي القارئ الواسطي ليربيه ولا تغفل عنه).
وفي كتاب النجم الساعي أيضا (ولما ولد الرفاعي سارت البشرى بولادته وكان الإمام أحمد بن خميس في أصحابه يحدثهم وإذا به ينهض قائما يكبر ويهلل فسأله أصحابه فقال رأيت في هذه الساعة أنه قد ولد في أم عبيدة في دار الشيخ يحيى النجار ولد عزيز على ربه هو صاحب الوقت فنهض منهم جماعة وقد أصرف عقولهم حتى أتوا أم عبيدة واستأذنوها وشاهدوا الرفاعي وهو رضيع).
والإمام أحمد الرفاعي هو إبن صالح أحمد محيي الدين بن العباس المعروف بالرفاعي الكبير أبي العلمين.
والرفاعي نسبة إلى جده السابع رفاعة وإسمه الحسن وكان قد هاجر من مكة إلى المغرب وقت إضطهاد العلويين واستقر به المقام في قبيلة من العرب قرب أشبيليه وبقيت أسرته عبر السنين حتى قدر لواحد من أحفاده وهو يحيى أن يعود إلى مكة حاجا ومقيما لفترة قليلة يتركها بعدها إلى البصرة... ويعزم على الإقامة الدائمة بها ويتزوج منها وينجب أبو الحسن الرفاعي أبو الامام أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه...
ونسب الإمام الكبير ينتهي إلى سيدنا الحسين رضي الله عنه من ناحية أبيه... ومن ناحية أمه إلى سيدنا الحسن رضي الله عنه ومن أجل ذلك سمي الإمام "بأبي العلمين".
وقد حفظ الرفاعي القرأن الكريم وهو صغير جدا... ثم بدأ يتردد على حلقات العلم وهو في السابعة من عمره.
واتخذ له شيخين أخذ عنهما معالم طريقته... وهما خاله منصور البطائحي وعلي الواسطي...
وكان كثيرا ما يلزم في صباه الفقيه الواسطي ويكثر أيضا من التردد على الإمام الخرنوبي... ويقيم كل عام فترة من الزمن عنده يلزم مجلسه ويتعلم منه.
حتى كان ذات عام أنهى فترة اقامته برجاء طلب الوصية منه فقال له (أي أحمد إحفظ ما أقول لك. أي أحمد متلفت لا يصل. ومتسلل لا يفلح. ومن لا يعرف من نفسه نقصانا فكل وقته نقصان...)
وتكرر هذا الموقف من الرفاعي في العام التالي فأوصاه الخرنوبي بقوله (ما أقبح العلة بالأطباء والجهل من الأولياء والجفا من الأحباب).
فلما كان العام الثالث وما كاد الرفاعي يهم بطلب الوصية كالمعتاد حتى تقدم إليه الإمام الخرنوبي يبايعه بالمشيخة ويطلب من الرفاعي - ولم يكن قد بلغ العشرين من عمره - (أي أحمد لا ترجع لزيارتي ولا تجيء إلي فما بقي لك حاجة إلي أو إلى غيري).
وحقيقة لم يعد للرفاعي حاجة عند الخرنوبي فقد مات قبل أن ينقضي الحول على وداعه.
وكان الرفاعي رضي الله عنه يعمل في كل الحرف حتى يضمن لقمة العيش التي تمكنه من عدم الإعتماد على أحد... وليمكنه في الوقت نفسه التردد للحاق بمجالس العلم في كل مكان... وبأي بلد...
وفي أدب جم... وتواضع... وايمان... كان يتعلم... وكان يبحث عن المعرفة من غير تطلع إلى مراكز قيادة... أو زعامة مشيخة...
حتى كان ذات يوم...
ومرض خاله الشيخ منصور الرباني... إمام المتصوفة في ذلك الوقت و له آلاف من الأتباع و المريدين ... و طلب منه بعض المقربين إليه أن يختار من يخلفه في مشيخته فأسر اليهم برؤياه من قبل التي بشر فيها بولادة الرفاعي من سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ...
وأخبرهم أيضاً أنه لا يرى خيرا من الرفاعي شيخاً عليهم من بعده و هو الذي رباه ... و يتابع خطى علمه و حياته ...
ولكن .. بعض نفر منهم كان يرى أن تكون المشيخة لأحمد ابنه لا إبن أخته .. و استعانوا بزوجة الشيخ منصور على إقناع الشيخ بحجتهم فأعلنها في قوة ووضوح أن المشيخة لن تكون إلا لأحمد الرفاعي و قال عبارته المشهورة (تريدين لمحبوبك . والحق يريد لمحبوبه ، قل اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، و تنزع الملك ممن تشاء).
و مع هذا ...
فقد كثر الجدل و النقاش و الرفاعي لا يشترك فيه و لا يهمه منه شيئاً إيماناً منه كما قال بعد ذلك بعدم طلب الولاية وأنها مسؤلية لا يقدر عليها إلا من يشاء الله ...
وأراد الشيخ منصور أن يحسم لأتباعه ومريديه الموقف فقرر إجراء إختبار صوفي لكل من يصلح لخلافته وجمعهم وفيهم ولده أحمد وإبن أخته الرفاعي وأعطى لكل واحد منهم سكيناً ودجاجة وطلب من كل واحد منهم أن يذبحها في مكان لا يراه فيه أحد .
و عاد الجميع و معهم ذبائحهم وعاد الرفاعي ومعه الدجاجه والسكين .. والتف الناس من حول الشيخ والرفاعي يستمعون إلى حوارهما وهو يسأله لماذا عدت بالدجاجة من غير ذبح ؟ قال الرفاعي (يا سيدي شرطت على خلو المكان .. وأينما ذهبت وجدت الله حاضراً وناظراً ...)
فكرر الشيخ لأتباعه قولته الشهيرة ( تريدون لمحبوبكم والله يريد لمحبوبه ..)
واشتد المرض بالشيخ منصور حتى دخل مرحلة الخطر ... الموت .. والتف حوله اتباعه ليعلموا قراره الأخير بشأن خليفته وشيخهم الجديد .. وكان حاضراً أحد فقراء المتصوفة يطلقون عليه إسم شويصة فسمع مطلبهم فإذا به ينتفض صارخا فيهم وقبل أن يرد عليهم الشيخ (لقد قلتم فأكثرتم وها أنا مخبركم... لقد درست جميع المواضع والمقامات في الأرض فلم ار عكوف الطير ونزول النوال إلا على أم عبيدة فعلمت أن الأمر قد سلم إلى أحمد الرفاعي...)
ونظروا جميعا إلى الشيخ منصور ليروا ما هو قائل فأجابهم (القول ما قاله لكم إبن مريم - شويصة - فاعرفوه).
ومات الشيخ منصور...
وجاء ولده أحمد ليمسح على وجه الرفاعي الحزين لوفاة شيخه وخاله... وسلم عليه بالبيعة بالمشيخة فقال له الرفاعي (يا سيدي أنا إن صلحت كنت مملوكا...)."