مقدمة بقلم الأستاذ صلاح عزام
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب افتقدناه في سوق الكتب ولم يعد له وجود إلا في بعد مكتبات القدامى الصالحين الذين ورثوها جيلا وراء جيل... وكل نسخة تضيع أو تبلى لا يوجد لها بديل...
وأشهد أني حاولت الكثير حتا وفقني الله إلى الحصول على هذه النسخة... فقد سمعت عن هذا الكتاب وموضوعه واسلوبه ونموذجه الدراسي الأمر الذي جعلني مشدودا بالشوق إليه والبحث عنه حتى نقدمه إلى القارئ المسلم... والمفكر المسلم... والمثقف المسلم... ولمحبي التصوف والمتصوفة... وخصومهم على السواء... حتا يجدوا فيه المنهج والدعوة... وليعلموا أن واضعي علم التصوف واساتذته لم يكونوا غير دعاة واقعيين وعمليين حقا وصدقا في نشر الدعوة الإسلامية... وعن طريق الكتاب والسنة وعندنا نموذج مشرق يقدمه لنا الإمام الرفاعي في درسه الخامس والثلاثين تفسيرا لحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحدثنا بأن : "من أدى حديثا إلا أمتي لتقام به سنة أوتثلم به بدعة فله الجنة".
والكتاب نموذج مشرق لتعاليم الرفاعي - الذي حققنا كتابه (البرهان المؤيد) من قبل - توكيدا لإيماننا العميق في سادتنا المتصوفة من أنهم فقهاء مجتهدون يردون كل أقوالهم إلى الكتاب والسنة وما غير ذلك فهو دخيل عليهم لم يقولوه... وانما ردده المنتفعون بهم حبا أو جهلا عبر التاريخ متناسين تحذير الإمام الرفاعي لهم يوم قال لتلاميذه (لا تسبوني من بعدي... فقالوا كيف نسبك وانت امامنا وقدوتنا... قال: تقولون قولا لم أقله وتفعلون أمرا لم أفعله فيراكم الناس ويسمعونكم فيقولون لولا أنهم رأوا شيخهم ولولا أنهم سمعوا شيخهم ما قالوا وما فعلوا... وكل شيء خرج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس منا.(...
و (حالة أهل الحقيقة مع الله) نموذج للكتب العلمية الدقيقة فترى الإمام الرفاعي بعلمه الغزير... وكأنه يدعو بأسلوبه المهذب إلى ضرورة أن يتوافر في كل داعية وكل شيخ طريقة العلم أولا وحسن القدوة ثانيا ويتمثل ذلك في ذكر الأسانيد لكل مع يذكره والبحث العميق لكل مع يقوله ونموذج لذلك ما تراه في ذكر الأحاديث الشريفة فإنه يردها إلا رواتها منذ سماعه لها إلى الذي نقلها عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم... كما أنه في الوقت نفسه يحدثنا عن كثير من السادة المتصوفة السابقين على عهده ويعرفنا بآرائهم وينقل لنا بعض تعاليمهم.
والكتاب نموذج - أيضا - للدروس التي يجب أن يقتدي بها تلاميذ الرفاعي ومحبوه وسلكو طريقته وكل المتصوفة في أن يعملوا في وضوح وإصرار بالكتاب والسنة وان لا يذهبوا وراء غير ذلك مع لم يكن إجتهادا له مع يزكيه...
وسيجد القارئ لهذا الكتاب التعاليم التي التزم بها الامام الرفاعي وطالب بالعمل بها واعتبرها طريق السالكين إلى الحق تبارك وتعالى منددا بالمتشائمين والمنافقين والجواسيس والمتواكلين والمنقطعين عن الحياة والعازفين عن العلم... ودعا إلى التعرف على الله عن طريق أوامر الله وسنة رسوله... وملك الله... وخلق الله ونعم الله... ودعا إلى تعليم القرآن الكريم وتعلمه وإلى المحبة بين الناس والإكثار من الصدقات والأمر بالمعروف وصلة الرحم ومكارم الأخلاق وحسن السلوك...
وقد بدأ الإمام الرفاعي هذا الكتاب يوم الخميس الأول من رجب عام ٥٤٩ هجريا... واستمر فيه كل يوم خميس على مدى أربعين أسبوعا... وكان يومذاك عمره ٣٧ عاما هجريا فقط... واختار له عنوانا متكاملا وهو:
حالة أهل الحقيقة مع الله
كما يحدثنا عنه جامعه أبو شجاع إبن منجح الشافعي الواسطي رضي الله عنه...
ولقد حققت الكتاب الذي نقدمه على النسخ الخمس التي وجدتها في أربع محافظات ذهبت إليها ورفض اصحابها الفضلاء أن تذكر اسماؤهم أدبا وفضلا وتواضعا... جزاهم الله خيرا...
وألم أقل من قبل أن في تراثنا الذي يكاد أن يندثر روائع يجب أن نعمل على احيائها وابرازها أمانة ودينا وحقا للدين الاسلامي والدعوة المحمدية.
وهذا كتاب نموذج لما نقوله.
وعلى الله التوفيق.
القاهرة ربيع الثاني ١٣٩٢
مصر الجديدة مايو ١٩٧٢